فصل: الاثنين ثامن شهر رجب أخلع السلطان على الطواشي بهادر الرومي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم في يوم

 الاثنين ثامن شهر رجب أخلع السلطان على الطواشي بهادر الرومي

واستقر مقدم المماليك السلطانية عوضًا عن جوهر الصلاحي‏.‏

ثم في يوم السبت ثالث عشرة ركب السلطان إلى الميدان ثاني مرة للعب الكرة‏.‏

ثم ركب في يوم السبت عشرينه ثالث مرة‏.‏

ثم ركب في يوم السبت سابع عشرينه إلى خارج القاهرة وعاد من باب النصر ونزل بالبيمارستان المنصوري‏.‏

ثم ركب منه إلى القلعة فلم يتحرك أحد بأمر من الأمور‏.‏

ثم خرج السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة في كل سنة وأقام بها أيامًا وعادة وفي عوده قبض على سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الخاص بالخدمة‏.‏

وخلع السلطان على موفق الدين أبي الفرج عبد الله الأسلمي بنظر الخاص عوضًا عن ابن البقري وأجرى على ابن البقري العقوبة ثم ضربه بالمقارع بعدما أخذ منه ثلاثمائة ألف دينار‏.‏

وفيه شفع الأمراء في الخليفة وتقدم منهم الأمير أيتفش والأمير ألطنبغا الجوباني وقبلا الأرض وسألا السلطان في العفو عنه وترفقا في سؤاله فعدد لهما السلطان ما أراد أن يفعله بقتله فما زالا به حتى أمر بفك قيده‏.‏

وفي هذه السنة توجه السلطان عدة مرار للصيد ببر الجيزة وغيرها وفي الأخير اجتاز السلطان بخيمة الأمير قطلقتمر العلائي أمير جاندار ووقف عليها فخرج قطلقتمر إليه وقدم له أربعة أفراس فلم يقبلها فقبل الأرض ثانيًا وسأل السلطان أن يقبلها فأجاب سؤاله وقبلها وسار حتى نزل بمخيمه‏.‏

وفي الحال استدعى بإبراهيم ابن قطلقتمر المذكور من خزانة شمائل وأطلقه وخلع عليه وأركبه فرسًا بسرج ذهب وكنبوش زركش وأعطاه ثلاثة أرؤس أخر وهي التي قدمها أبوه للسلطان وأذن له أن يمشي في الخدمة ووعده بإمرة هائلة وأرسله إلى أبيه قطلقتمر المذكور فسر به سرورًا زائدًا‏.‏

وكان قطلقتمر في مدة حبس ابنه لم يحدث السلطان ولا الأمراء في أمر أبنه بكلمة واحدة فأتاه الفرج من الله تعالى بغير منة أحد‏.‏

وفي هذه الأيام جمع السلطان القضاة واشترى الأمير أيتمش البجاسي - وهو يوم ذاك رأس نوبة الأمراء وأطابك وأكبر جميع أمراء ديار مصر - من ذرية الأمير جرجي الإدريسي نائب حلب بحكم أن جرجي لما مات لم يكن أيتمش ممن أعتقه فأخذه بعد موته الأمير بجاس وأعتقه من غير أن يملكه بطريق شرعي وأثبتوا ذلك على القضاة فعند ذلك اشتراه الملك الظاهر من ذزية جرجي بمائة ألف درهم وأعتقه وأنعم عليه بأربعمائة آلاف درهم وبناحية سفط رشين ثم خلع السلطان على القضاة والموقعين الذين سجلوا قضية البيع والعتق‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة أفرج السلطان عن الخليفة المتوكل على الله ونقل من سجنه ثم في يوم السبت ثالث صفر من سنة ست وثمانين وسبعمائة قبض السلطان على الأمير يلبغا الصغير الخازندار وعلى سبعة من المماليك وشي بهم أنهم قصدوا قتل السلطان فضربهم ونفاهم إلى الشام‏.‏

وفي يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأول قدم الأمير بيدمر الخوارزمي نائب الشام فأجلسه السلطان فوق الأمير سودون النائب بدار العدل‏.‏

ثم في ثالث عشره خلع عليه السلطان وقيد له ثمانية جنائب من الخيل بقماش ذهب جروها الأوجاقية خلفه‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة نزل السلطان لعيادة الأمير ألطنبغا الجوباني أمير مجلس وقد توعك‏.‏

وفيه قدم الأمير بيدمر نائب الشام تقدمته للسلطان وكانت تشتمل على عشرين مملوكًا وثلاثة وثلاثين جملًا عليها أنواع الثياب من الحرير والصوف والفرو وثلاثة وعشرين كلبًا سلوقيًا وثمانية عشر فرسًا عليها أجلال حرير وخمسين فحلًا واثنتين وثلاثين حجرة ومائة إكديش لتتمة مائتي فرس وثمانية قطر هجن بقماش ذهب وخمسة وعشرين قطارًا من الهجن أيضًا بكيران ساذجة وأربعة قطر جمال بخاتي لكل جمل منها سنامان وثمانين جملًا عرابا قدم‏.‏

وباسم ولد السلطان سيدي محمد عشرين فرسًا وخمسة عشره جملًا وثيابًا وغيرها‏.‏

وفي عشرينه خلع عليه السلطان خلعة السفر وتوجه إلى محل ولايته بدمشق‏.‏

وفي خامس عشرينه نزل السلطان لعيادة ألطنبغا الجوباني ثانيًا ففرش له الجوباني شقاق الحرير السكندري وشقاق نخ من باب إسطبله إلى حيث هو مضطجع‏.‏

فمشى عليها السلطان بفرسه ثم بقدميه فنثرت عليه الدنانير والدراهم‏.‏

وقدم له الجوباني جميع ما عنده من المماليك والخيل فلم يأخذ السلطان شيئًا منها وجلس ساعة عنده ثم عاد إلى القلعة‏.‏

وفي ثالث عشر جمادى الأولى غضب السلطان على القاضي تقي الدين عبد الرحمن ابن القاضي محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد ناظر الجيوش المنصورة بسبب إقطاع الأمير زامل أمير عرب آل فضل وضربه بالدواة ثم أمر به فضرب بين يديه نحو ثلاثمائة عصاة وكان ترفًا فحمل في محفة إلى داره بالقاهرة فلزم الفراش إلى أن مات بعد ثلاثة أيام في ليلة الخميس سادس عشر جمادى الأولى‏.‏

وأخلع السلطان على موفق الذين أبي الفرج الأسلمي ناظر الخاص واستقر به في نظر الجيش مضافًا لنظر الخاص والذخيرة ولاستيفاء الصحبة‏.‏

وفي أثناء شهر رجب المذكور استبدل السلطان خان الزكاة من ذرية الملك الناصر محمد بن قلاوون بقطعة أرض وأمر بهدمه وعمارة مدرسة مكانه وأقام السلطان على عمارتها الأمير جاركس الخليلي أمير آخور فابتدأ بهدمه وشرع في عمارة المدرسة المعروفة بالبرقوقية بين القصرين‏.‏

فلما كان يوم الاثنين ثاني شعبان مات تحت الهدم جماعة من الفعلة‏.‏

وفي خامسه ركب السلطان إلى رؤية عمارته المذكورة وعاد إلى القلعة ثم سار إلى سرحة سرياقوس على العادة بحريمه وخواصه في ندمائه وسائر الأمراء والأعيان ثم عاد بعد أيام‏.‏

ثم نزل في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رمضان لعيادة الشيخ أكمل الدين الشيخ بالشيخونية‏.‏

ثم نزل في يوم الخميس ثامن عشره ليصلي عليه فظهر أنه أغمي عليه ولم يمت فعاد السلطان‏.‏

ونزل في يوم تاسع عشره حتى صلى عليه بمصلاة المؤمني من تحت القلعة ومشى على قدميه أمام النعش من المصلى إلى خانقاه شيخون مع الناس في الجنازة بعد ما أراد أن يحمل النعش غير مرة فتحمله الأمراء عنه‏.‏

وما زال واقفًا على قبره حتى دفن وعاد إلى القلعة‏.‏

كل ذلك لاعتقاده في دينه وغزير علمه ولقدم صحبته معه‏.‏

ومن يوم مات الشيخ أكمل الدين صار الشيخ سراج الدين عمر البلقيني يجلس مكانه عن يمين السلطان‏.‏

ثم خلع السلطان على الشيخ عز الدين يوسف بن محمود الرازي العجمي باستقراره في مشيخة خانقاه شيخون عوضًا عن الشيخ أكمل الدين المذكور‏.‏

ثم في حادي عشر شوال قدم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب إلى القاهرة وعدى إلى السلطان ببر الجيزة وعاد معه من بر الجيزة بعد ما غاب عن صحبة السلطان أيامًا في يوم الخميس أول ذي القعدة‏.‏

وفي خامسه خلع عليه خلعة السفر وتوجه إلى محل كفالته بحلب وهذا قدوم يلبغا وفي يوم الخميس ثاني ذي القعدة أسست المدرسة الظاهرية ببين القصرين موضع خان الزكاة‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع ذي الحجة خلع السلطان على القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله باستقراره في وظيفة كتابة السر على عادته بعد وفاة القاضي أوحد الدين‏.‏

وفي ثامن عشرين ذي الحجة استجد السلطان لقرافة مصر واليًا أمير عشرة وهو سليمان الكردي وأخرجت عن والي مدينة مصر ولم يعهد هذا فيما مضى‏.‏

وفيه نقل الأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي من نيابة صفد إلى نيابة طرابلس عوضًا عن مأمور القلمطاوي وهذه ولاية كمشبغا لنيابة طرابلس ثاني مرة‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني محرم سنة سبع وثمانين وسبعمائة استقر الأمير سودون المظفري حاجب حجاب حلب في نيابة حماة بعد عزل الأمير صنجك وتوجه إلى طرابلس أميرًا بها‏.‏

وفي يوم الجمعة ثالث شهر رجب توجه الأمير حسن قجا على البريد لإحضار يلبغا الناصري نائب حلب‏.‏

وفي عشرينه خرج من القاهرة الأمير كمشبغا الخاصكي الأشرفي على البريد لنقل سودون المظفري في نيابة حماة إلى نيابة حلب عوضًا عن الأمير يلبغا الناصري‏.‏

وأما الناصري فإنه لما وصل إلى مدينة بلبيس قبض عليه وقيد وحمل إلى الإسكندرية واحتاط محمود شاد الدوارين على أمواله بحلب‏.‏

ومن يومئذ أخذ أمر الملك الظاهر في إدبار بقبضه على الأمير يلبغا الناصري بغير ذنب‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثاني عشرين ذي الحجة قبض السلطان على الأمير ألطنبغا الجوباني أمير مجلس وقيده وحبسه ثم أفرج عنه بعد أيام وخلع عليه بنيابة الكرك عوضًا عن تمرداش القشتمري‏.‏

ثم في محرم سنة ثمان وثمانين وسبعمائة قبض الملك الظاهر على جماعة من المماليك السلطانية وضربهم بالمقارع لكلام بلغه عنهم أنهم اتفقوا على الفتك به‏.‏

ثم قبض سريعًا على الأمير تمربغا الحاجب وكان اتفق مع هؤلاء المذكورين وسفره ومعه عشرة من المماليك المذكورين‏:‏ أركب كل مملوكين على جمل ظهر أحدهما إلى ظهر الأخر وأفرد تمربغا المذكور على جمل وحده ثم وسطوا الجميع فكان هذا اليوم من أشنع الأيام وكثر الكلام بسببهم في حق الملك الظاهر إلى الغاية‏.‏

وفي خامس عشرينه قبض السلطان على ستة عشر من مماليك الأمير الكبير أيتمش ونفوا إلى الشام‏.‏

ثم تتبع السلطان من بقي من المماليك الأشرفية فقبض على كثير منهم وأخرجوا من القاهرة إلى عدة جهات‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الأول رسم السلطان بالإفراج عن الأمير يلبغا الناصري نائب حلب كان ونقله من سجن الإسكندرية إلى ثغر دمياط وأذن له أن يركب ويتنزه حيث شاء‏.‏

وفي شهر ربيع الآخر غضب السلطان على موفق الدين أبي الفرج ناظر الجيش وضربه نحو مائة وأربعين عصاة وأمر بحبسه‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشر جمادى الآخرة نقلت رمم أولاد السلطان الخمسة من مدافنهم إلى القبة بالمدرسة الظاهرية التي أنشأها الملك الظاهر بين القصرين ونقلت أيضا رمة والد الملك الظاهر الأمير آنص عشاء والأمراء مشاة أمام نعشه حتى دفن أيضًا بالقبة المذكورة‏.‏

ثم في يوم الأربعاء حادي عشر شهر رجب نزل الأمير جاركس الخليلي الأمير آخور إلى المدرسة الظاهرية المقدم ذكرها بعد فراغها وهيأ بها الأطعمة والحلاوات والفواكه‏.‏

ثم ركب السلطان من الغد في يوم الخميس ونزل من القلعة بأمرائه وخاصكيته إلى المدرسة المذكورة وقد اجتمع القضاة وأعيان الدولة فمد بين يديه سماطًا جليلًا أوله عند المحراب وآخره عند البحرة التي بوسط المدرسة وأكل السلطان والقضاة والأمراء والمماليك ثم تناهبت الناس بقيته ثم مد سماط الحلوات والفواكه وملئت البحرة التي بصحن المدرسة من مشروب السكر ثم بعد رفع السماط أخلع السلطان على الشيخ علاء الدين علي بن أحمد بن محمد السيرامي الحنفي وقد استدعاه السلطان من بلاد الشرق واستقر مدرس الحنفية وشيخ الصوفية وفرش له الأمير جاركس الخليلي السجادة بيده حتى جلس عليها‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير جاركس الخليلي شاد عمارة المدرسة المذكورة وعلى المعلم شهاب الدين أحمد بن الطولوني المهندس وركبا فرسين بقماش ذهب‏.‏

ثم خلع السلطان على خمسة عشر نفرًا من مماليك جاركس الخليلي ممن باشروا العمل مع أستاذهم وأنعم على كل منهم بخمسمائة درهم‏.‏

ثم خلع السلطان على مباشري العمارة‏.‏

ولما جلس الشيخ علاء الدين السيرامي على السجادة تكلم على قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ قل اللهم مالك الملك ‏"‏ الآية‏.‏

ثم قرأ القارئ عشرًا من القرآن ودعا‏.‏

وقام السلطان وركب بأمرائه وخاصكيته وعاد إلى القلعة بعد أن خرج من باب زويلة فكان هذا اليوم من الأيام المشهودة‏.‏

ثم بدا للسلطان بعد ذلك أن يقبض على الأمير بيدمر الخوارزمي نائب الشام فأرسل طاووسًا البريدي للقبض عليه ورسم للأمير تمربغا المنجكي أن يتوجه على البريد لتقليد الأمير إشقتمر المارديني عوضه بنيابة الشام وكان إشقتمر بالقدس بطالًا‏.‏

وقد تقدم أن إشقتمر هذا ولي نيابة حلب في أيام السلطان حسن الأولى ويلبغا أستاذ برقوق يوم ذاك خاصكي فانظر إلى تقلبات الدهر‏.‏

وفي يوم الجمعة عاشر شهر رمضان من سنة ثمان وثمانين وسبعمائة أقيمت الجمعة بالمدرسة الظاهرية المذكورة وخطب بها جمال الدين محمود القيصري العجمي المحتسب‏.‏

وحج في هذه السنة الأمير جاركس الخليلي بتجمل كبير وحج من الأمراء كمشبغا الخاصكي الأشرفي ومحمد بن تنكز بغا وجاركس المحمودي‏.‏

وفي يوم الاثنين خامس عشرين شوال استدعى السلطان زكريا ابن الخليفة المعتصم بالله أبي إسحاق إبراهيم - وإبراهيم المذكور لم يل الخلافة - ابن المستمسك بالله أبي عبد الله محمد - وكذلك المستمسك لم يل الخلافة - ابن الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد العباسي وأعلمه السلطان أنه يريد أن ينصبه في الخلافة بعد وفاة أخيه الواثق بالله عمر‏.‏

ثم استدعى السلطان القضاة والأمراء والأعيان فلما اجتمعوا أظهر زكرياء المذكور عهد عمه المعتضد له بالخلافة فخلع السلطان عليه خلعة غير خلعة الخلافة ونزل إلى داره‏.‏

فلما كان يوم الخميس ثامن عشرينه طلع الخليفة زكرياء المذكور إلى القلعة وأحضر أعيان الأمراء والقضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني فبدأ البلقيني بالكلام مع السلطان في مبايعة زكرياء على الخلافة فبايعه السلطان أولًا ثم بايعه من حضر على مراتبهم ونعت بالمستعصم بالله وخلع عليه خلعة الخلافة على العادة ونزل إلى داره وبين يديه القضاة وأعيان الدولة‏.‏

ثم طلع زكرياء المذكور في يوم الاثنين ثاني ذي القعدة وخلع عليه السلطان ثانيًا بنظر المشهد النفيسي على عادة من كان قبله من الخلفاء ولم تكن هذه العادة قديمًا بل حدثت في هذه السنين‏.‏

وفي خامس عشرين ذي الحجة قدم مبشر الحافي السيفي بطا الخاصكي وأخبر أن الأمير آقبغا المارديني أمير الحاج لما قدم مكة خرج الشريف محمد بن أحمد بن عجلان أمير مكة لتلقيه على العادة ونزل وقبل الأرض ثم قبل خف جمل المحمل‏.‏

وعندما انحنى وثب عليه فداويان ضربه أحدهما بخنجر في عنقه وهما يقولان‏:‏ غريم السلطان فخر ميتًا وتم نهاره ملقى حتى حمله أهله وواروه‏.‏

وكان كبيش على بعد فقتل الفداوية رجلًا آخر يطنوه كبيشًا‏.‏

وأقام أمير الحافي لابس السلاح سبعة أيام خوفًا من الفتنة فلم يتحرك أحد‏.‏

ثم خلع أمير الحافي على الشريف عنان باستقراره أمير مكة عوضًا عن محمد المذكور وتسلمها‏.‏

ثم في تاسع عشرين ذي الحجة قدمت رسل الحبشة بكتاب ملكهم الحطي واسمه داود بن سيف أرعد ومعهم هدية على عشرين جملًا فيها من طرائف بلادهم من جملتها قدور قد ملئت حمصًا صنع من ذهب إذا رآه الشخص يظنه حمصًا وغير ذلك‏.‏

ثم في يوم السبت سابع عشر صفر من سنة تسع وثمانين وسبعمائة قدم الأمير ألطنبغا الجوباني نائب الكرك باستدعاء فأخلع عليه السلطان باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن إشقتمر المارديني وغزل إشقتمر ولم تكمل ولايته على دمشق عشرة أشهر‏.‏

وأقام ألطنبغا الجوباني بالقاهرة ثلاثة أيام وسافر في يوم تاسع عشره بعدما أنعم عليه الملك الظاهر بمبلغ ثلاثمائة ألف درهم فضة وفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وأرسل إليه الأمير أيتمش بمائة ألف درهم وعدة بقج ثياب‏.‏

واستقر مسفره الأمير قرقماس الظاهري وفرج الجوباني من مصر بتجمل عظيم‏.‏

ثم رسم باستقرار الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك المهمندار في نيابة حماة عوضًا عن الأمير سودون العثماني واستقر سودون العثماني على إقطاع محمد بن المهمندار المذكور بحلب‏.‏

وفي آخر جمادى الآخرة من السنة وهي سنة تسع وثمانين ورد الخبر على السلطان بأن تيمورلنك صاحب بلاد العجم كبس الأمير قرا محمد صاحب مدينة تبريز وكسره ففر منه قرا محمد في نحو مائتي فارس وتوجه بهم إلى جهة ملطية ونزل هناك ونزل تيمورلنك على آمد‏.‏

فاستدعى السلطان القضاة والفقهاء والأمراء وتحدث معهم في أخذ الأوقاف من البلاد بسبب ضعف عسكر مصر فكثر الكلام في ذلك وآل الأمر إلى أنه يأخذ متحصل الأوقاف لسنة وصمم الملك الظاهر على إخراج الجميع للجند ثم رجع عن ذلك ورسم بتجهيز أربعة أمراء من أمراء الألوف بالديار المصرية وهم‏:‏ الأمير ألطنبغا المعلم أمير سلاح والأمير قردم الحسني رأس نوبة النوب والأمير يونس النوزوزي الدوادار الكبير والأمير سودون باق وسبعة أمراء أخر من أمراء الطبلخانات وعين معهم من أجناد الحلقة ثلاثمائة فارس‏.‏

فتجهز الجميع وخرجوا من القاهرة في أول شهر رجب وساروا إلى حلب ونائبها يوم ذاك سودون المظفري وقد وصل الخبر بأن قرا محمدًا واقع ابن تيمورلنك وكسره ورجع إلى بلاده‏.‏

وبعد خروج العسكر استدعى السلطان في سادس عشرين شعبان من سنة تسع وثمانين المذكورة الشيخ ناصر الدين ابن بنت الميلق وولاه قضاء الشافعية بالديار المصرية بعد عزل القاضي بدر الدين محمد بن أبي البقاء عنها بعدما تمنع ابن الميلق المذكور من قبول القضاء تمنعًا زائدًا وصلى ركعتي الاستخارة حتى أذعن فألبسه السلطان الملك الظاهر تشريف القضاء بيده وأخذ طيلسانه يتبرك به‏.‏

ونزل الشيخ ناصر الدين وبين يديه عظماء الدولة إلى المدرسة الصالحية فداخل أرباب الدولة بولايته خوف ووهم وظنوا أنه يحمل الناس على محض الحق وأنه يسير على طريق السلف من القضاة‏.‏

قال الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله‏:‏ لما ألفوه من تشدقه في وعظه وتفخمه في منطقه وإعلانه في التنكير على الكافة ووقيعته في القضاة واشتماله على لبس المتوسط من الخشن ومعيبه على أهل الترف‏.‏

وكان أول ما بدأ به أن عزل قضاة مصر كلهم من العريش إلى أسوان‏.‏

وبعد يومين تكلم معه الحاج مفلح مولى القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر في إعادة بعض من عزله من القضاة فأعاده فانحل ما كان معقودًا بالقلوب من مهابته‏.‏

ثم قلع زيه الذي كان يلبسه ولبس الشاش الكبير الغالي الثمن ونحوه وترفع في مقاله وفعاله حتى كاد يصعد الجو وشح في العطاء ولاذ به جماعة غير محببين إلى الناس فانطلقت ألسنة الكافة بالوقيعة في عرضه واختلقوا عليه ما ليس فيه‏.‏

انتهى كلام المقريزي باختصار‏.‏

قلت‏:‏ كل ذلك والملك الظاهر لا يسمع فيه قول قائل حتى كانت وقعة الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق وحبس الملك الظاهر بالكرك وكان هو قاضيًا يومئذ فوقع في حق الظاهر وأساء القول فيه‏.‏

فبلغ الظاهر ذلك قبل ذهابه إلى الكرك وهو بسجن القلعة فأسرها في نفسه على ما سنذكره في سلطنة الملك الظاهر الثانية إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم ورد الخبر على السلطان الظاهر بأن العسكر المجرد من الديار المصرية عاد إلى حلب وكان توجه نحو ديار بكر صحبة نواب البلاد الشامية وعاد وكان الأمير ألطنبغا الجوباني نائب الشام مقدم العساكر وخرج بثقل عظيم وزدخاناه هائلة جددها بدمشق حتى إنه رسم لفضلاء دمشق أن ينظموا له ما ينقش على أسنة الرماح فنظم له القاضي فتح الدين محمد بن الشهيد كاتب سر دمشق‏:‏ البسيط هذا سناني نجم يستضاء به كأنني علم في رأسه نار والسيف إن نام ملء الجفن في غلف فإنني بارز للحرب خطار إن الرماح لأغصان وليس لها سوى النجوم على العيدان أزهار ونظم القاضي صدر الدين علي بن الآدمي الدمشقي الحنفي في المعنى فقال‏:‏ الكامل النصر مقرون بضرب أسنة لمعانها كوميض برق يشرق سبكت لتسبك كل خصم مارد وتطرقت لمعاند يتطرق زرق تفوق البيض في الهيجاء إذ يحمر من دمه العدو الأزرق ينسجن يوم الحرب كل كتيبة تحت الغبار فنصرهن محقق ونظم الشيخ شمس الدين محمد المزين الدمشقي في المعنى وأجاد إلى الغاية‏:‏ الكامل أنا أسمر والراية البيضاء لي لا للسيوف وسل من الشجعان لم يحل لي عيش العداة لأنني نوديت يوم الجمع بالمران وإذا تغاتمت الكماة بجحفل كلمتهم فيه بكل لسان فتخالهم غنمًا تساق إلى الردى قهرًا لمعظم سطوة الجوباني بالأمير يلبغا الناصري من ثغر دمياط فوصل إلى سرياقوس في ثالث عشر شوال وقبل الأرض بين يدي السلطان فأكرمه السلطان وأنعم عليه بمائة فرس ومائة جمل وسلاح كثير ومال وثياب وأشياء غير ذلك قيمة ذك كله خمسمائة ألف درهم فضة‏.‏

وأهدى إليه سائر الأمراء على العادة كل واحد على قدر حاله‏.‏

ثم عاد السلطان من سرياقوس في أول ذي القعدة وخلع على الأمير يلبغا الناصري المذكور في خامس ذي القعدة من سنة تسع وثمانين المذكورة باستقراره في نيابة حلب على عادته عوضًا عن سودون المظفري بحكم استقرار سودون المظفري أتابك حلب وأمره بالتجهيز وهذه ولاية الناصري الثالثة على حلب‏.‏

فأصلح الأمير يلبغا الناصري أمره وتهيأ للسفر وخرج من ثامن ذي القعدة إلى الريدانية بعد أن أخلع السلطان عليه خلعة السفر‏.‏

وسافر من الريدانية في تاسعه بتجمل عظيم وبرك هائل ومسفره الأمير جمق ابن الأمير أيتمش البجاسي‏.‏

وبعد خروجه بثلاثة أيام قدم البريد من البلاد الشامية بأن تمربغا الأفضلي الأشرفي المدعو منطاش ملطية خرج عن الطاعة ووافقه القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس وقرا محمد التركماني ونائب المجيرة ويلبغا المنجكي وعدة كبيرة من خشداشية منطاش من المماليك الأشرفية وأت انضم عليه جماعة كبيرة من التركمان فتشوش السلطان في الباطن ولم يظهر ذلك وندم على توليته يلبغا ثم ركب السلطان الملك الظاهر في ثاني يوم جاء الخبر بعصيان منطاش وعدى البحر إلى بر الجيزة وتصيد وعاد في سادس عشرينه‏.‏

وبعد عوده بأيام وصل قاصد الأمير تمربغا الأفضلي الأشرفي المدعو منطاش نائب ملطية يخبر أنه ما نافق وأنه باق على طاعة السلطان‏.‏

فأخذ السلطان في أخبار القاصد وأعطى وبينما هو في ذلك قدم البريد من حلب في إثره يخبر السلطان بأن منطاش المذكور عاص وأنه ما أرسل يقول إنه باق على الطاعة إلا ليدفع عن نفسه حتى يخرج فصل الشتاء ويدخل فصل الربيع وتذوب الثلوج فسير السلطان السيفي ملكتمر الدوادار بعشرة آلاف دينار إلى الأمراء المجردين قبل تاريخه توسعة لهم وأمره في الباطن بالفحص عن أخبار منطاش وحقيقة أمره‏.‏

وبعد خروج ملكتمر فشا الطاعون بالقاهرة ونواحيها في شهر ربيع الأول من سنة تسعين وسبعمائة واشتغل الناس بمرضاهم وأمواتهم عن غيره‏.‏

ثم أخلع السلطان على الأمير أيدكار العمري اليلبغاوي الحاجب الثاني وأحد مقدمي الألوف باستقراره حاجب الحجاب بالديار المصرية عوضًا عن قطلوبغا الكوكائي بعد شغورها عنه أربع سنين وأضيف إليه نظر خانقاة شيخون واستقر الأمير زين الدين أبو بكر بن سنقر عوضه حاجبًا ثانيًا حاجب ميسرة بتقدمة ألف‏.‏

ثم في حادي عشرين جمادى الأولى من السنة قدم صراي تمر دوادار الأمير يونس النوروزي الدوادار ومملوك نائب حلب الأمير يلبغا الناصري يخبران بأن العسكر توجه إلى سيواس وقاتلوا عسكرها وقد أستنجد أهل سيواس بالتتر فأتاهم من التتر نحو الستين ألفًا فحاربهم العسكر المصري والحلبي يومًا كاملًا حتى هزموهم وحصروا سيواس بعدما قتل كثير من الفريقين وجرح معظمهم وأن الأقوات عندهم عزيزة‏.‏

فجهز السلطان للعسكر المذكور خمسين ألف دينار مصرية وشكرهم‏.‏

وسار بالذهب ملكتمر الدوادار ثانيًا بعد قدومه مصر بأيام قليلة‏.‏

وكان خروج ملكتمر في هذه المرة الثانية بالذهب في سابع عشرين جمادى الآخرة هذا ما أخبره صراي تمر دوادار ثاني يونس الدوادار‏.‏

وأما ما وقع من بعده هناك فإن العسكر تحرك إلى الرحيل عن سيواس لطول مكثهم وعندما ساروا هجم عليهم التتر من خلفهم فاحترز الأمير يلبغا الناصري نائب حلب إلى جهة حتى صار خلفهم ثم طوقهم بمن معه ووضع السيف فيهم فقتل منهم خلائق كثيرة وأسر منهم نحو الألف وأخذ منهم نحو عشرة آلاف فرس وعاد العسكر سالمًا إلى حلب فقدم هذا الخبر الثاني أيضًا على يد بعض مماليك الأمير يونس الدوادار فسر السلطان بذلك ودقت البشائر بالديار المصرية‏.‏

ورسم السلطان بعود العسكر المصري إلى نحو الديار المصرية فعادوا إليها في ثالث شعبان من سنة تسعين وسبعمائة فكانت غيبتهم عن القاهرة سنة وعدة أيام‏.‏

ولما وصلوا وطلعوا إلى القلعة أخلع عليهم السلطان الخلع الهائلة وشكرهم ونزلوا إلى دورهم وكثرت التهاني لمجيئهم‏.‏

ثم في خامس عشر شعبان المذكور طلب السلطان الأمير الطواشي بهادر مقدم المماليك السلطانية فلم يجده بالقلعة ثم أحضر سكرانًا من بيت على بحر النيل فغضب السلطان عليه ونفاه إلى صفد على إمرة عشرة بها وأخلع على الطواشي شمس الدين صواب السعدي المعروف بشنكل الأسود بتقدمة المماليك السلطانية عوضًا عن بهادر المذكور واستقر الطواشي سعد الدين الشرفي في نيابة المقدم عوضًا عن شنكل المذكور‏.‏

وحج في هذه السنة أيضًا الأمير جاركس الخليلي الأمير آخور الكبير أمير حاج الأول‏.‏

وكان أمير حاج المحمل الأمير آقبغا المارديني وخرج الحج من مصر في عاشر شوال‏.‏

وفي أثناء ذلك قدم الخبر بعصيان الأمير ألطنبغا الجوباني نائب الشام وأنه ضرب الأمير طرنطاي حاجب حجاب دمشق واستكثر من استخدام المماليك‏.‏

وشاع ذلك بالقاهرة وكثرت القالة بين الناس بهذا الخبر‏.‏

فلفا بلغ الأمير ألطنبغا الجوباني ذلك أرسل استأذن السلطان في الحضور إلى الديار المصرية فأذن له السلطان في ذلك وفي ظن كل أحد أنه لم يحضر فعندما جاءه الإذن ركب البريد من دمشق في خواصه وسار حتى نزل سرياقوس خارج القاهرة في ليلة الخميس سابع عشرين شوال من سنة تسعين المذكورة وبلغ السلطان ذلك فأرسل إليه الأمير فارسًا الصرغتمشي أمير جاندار فقبض عليه من سرياقوس وقيده وسيره إلى سجن الإسكندرية صحبة الأمير ألجيبغا الجمالي الدوادار‏.‏

ثم رسم السلطان بأن طرنطاي حاجب حجاب دمشق يستقر في نيابة دمشق عوضًا عن الأمير ألطنبغا الجوبانجي المذكور وحمل إليه التشريف والتقليد الأمير سودون الطرنطائي فعظم مسك الأمير ألطنبغا الجوباني على الناس كونه ظهر للسلطان براءته مما نقله عنه أعداؤه وكونه من أكابر اليلبغاوية ولم يسعهم إلا السكات لفوات الأمر‏.‏

ثم كتب السلطان كتابًا لأمراء طرابلس وأرسله على يد بعض خواصه بالقبض على الأمير كمشبغا الحموي اليلبغاوي نائب طرابلس فقدم سيفه في عاشر ذي القعدة فتأكد تشويش الناس بمسك كمشبغا أيضًا فإنه أكبر مماليك يلبغا العمري وممن صار في أيام أستاذه يلبغا أمير طبلخاناه وتوجه الأمير شيخ الصفوي بتقليد الأمير أسندمر المحمدي حاجب حجاب طرابلس بنيابة طرابلس عوضًا عن كمشبغا الحموي المقدم ذكره‏.‏

ثم نفى السلطان الملك الظاهر الأمير كمشبغا الخاصكي الأشرفي أحد أمراء الطبلخانات ورأس ثم قدم البريد بعشرين سيفًا من سيوف الأمراء الذين قبض عليهم من أمراء البلاد الشامية‏.‏

ثم كتب السلطان بالقبض على الأمراء البطالين ببلاد الشام جميعًا ثم أعيد سودون العثماني إلى نيابة حماة بحكم خروج كشلي منها إلى نيابة ملطية عوضًا عن منطاش وكان كشلي ولي نيابة حماة قبل تاريخه بمدة يسيرة عوضًا عن ابن المهمندار‏.‏

ثم في ثاني ذي القعدة قدمت رسل قرا محمد وأخبروا أنه أخذ مدينة تبريز وضرب بها السكة باسم السلطان الملك الظاهر برقوق ودعا له على منابرها وسير دنانير ودراهم عليها اسم السلطان وسأل أن يكون نائبًا بها عن السلطان فأجيب بالشكر والثناء‏.‏

هذا والخواطر قد نفرت من الملك الظاهر لكثرة قبضه على الأمراء من غير موجب وتخوف كل أحد منه على نفسه حتى خواصه وكثر تخيل الأمراء منه‏.‏

وبينما هم في ذلك أشيع بالديار المصرية بعصيان الأمير يلبغا الناصري نائب حلب وكثر هذا الخبر في محرم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة‏.‏

وسبب ذلك أنه وقع بين الأمير يلبغا الناصري وبين سودون المظفري أتابك حلب المعزول عن نيابة حلب قبل تاريخه وكاتب كل منهما في الآخر فاحتار السلطان بينهما وقد قوي تخوفه من الناصري‏.‏

قال المقريزي - رحمه الله -‏:‏ وكان أجرى الله سبحانه وتعالى على ألسنة العافة‏:‏ من غلب صاحب حلب حتى لا يكاد صغير ولا كبير إلا يقول ذلك حتى كان من أمر الناصري نائب حلب ما كان‏.‏

انتهى كلام المقريزي‏.‏

ولما شاع ذلك جمع السلطان الأمراء والخاصكية في يوم الأحد خامس صفر بالميدان من تحت القلعة وشرب معهم القمز وقرر لشربه معهم يومي الأحد والأربعاء يروم بذلك أخذ خواطرهم‏.‏

ثم في عاشره بعث السلطان هدية للأمير يلبغا الناصري نائب حلب فيها عدة خيول بقماش ذهب وقباء واستدعاه ليحضر ليعمل معه مشورة في أمر منطاش فلما أتاه رسول السلطان بالحضور إلى الديار المصرية خشي أن يفعل به كما فعل بالأمير ألطنبغا الجوباني نائب الشام من مسكه وحبسه بالإسكندرية فكتب يعتذر عن الحضور إلى حضرة السلطان بحركة التركمان وعصيان منطاش وأنه يتخوف على البلاد الحلبية منهم ومهما كان للسلطان من حاجة يرسل يعرفه ليقوم بقضائها وعاد رسول السلطان إلى مصر بهذا الجواب فلم يقبل السلطان ذلك منه في الباطن وقبله في الظاهر وقد كثر تخيله منه وأخذ في التدبير على الأمير يلبغا الناصري مع خواصه حتى اقتضى رأي الجميع على إرسال تلكتمر الدوادار إلى حلب بحيلة دبروها فخرج تلكتمر المحمدي الدوادار المذكور وعلى يده مثالان ليلبغا الناصري نائب حلب ولسودون المظفري أتابك حلب المقدم ذكره أن يصطلحا بحضرة الأمراء والقضاة والأعيان وسير معه خلعتين يلبسانها بعد صلحهما‏.‏

وحفل السلطان في الباطن مع تلكتمر عدة مطالعات إلى سودون المظفري وغيره من أمراء حلب وأرباب وظائفها بالقبض على الناصري وقتله إن امتنع من الصلح‏.‏

وكان مملوك الناصري قد تأخر بالقاهرة عن السفر لحلب ليفرق كتبًا من أستاذه على أمراء مصر يدعوهم فيها إلى موافقته على الخروج على السلطان‏.‏

وأخر السلطان أيضا جواب الناصري الوارد على يد مملوكه المذكور عامدًا حتى يسبقه تلكتمر الدوادار إلى حلب‏.‏

وكان مملوك الناصري المذكور يقظًا حاذقًا فبلغه ما على يد تلكتمر الدوادار من المطالعات بالقبض على أستاذه يلبغا الناصري وعلم أنه عوق حتى سافر تلكتمر‏.‏

ثم أعطي الجواب فأخذه وخرج من مصر في يومه وسار مسرعًا وجد في السوق حتى سبق تلكتمر الدوادار إلى حلب وعرف أستاذه بخبر تلكتمر كله سرًا فأخذ الناصري في الحذر‏.‏

ويقال‏:‏ إن تلكتمر الدوادار كان بينه وبين الشيخ حسن رأس نوبة الناصري مصاهرة فلما قرب من حلب بعث يخبر الشيخ حسنًا المذكور بما أتى فيه فعلى كل حال احترز الناصري‏.‏

وهذا الخبر الثاني يبعد والأول أقرب وأقوى عندي من كل وجه‏.‏

ثم لما تحقق الناصري ما جاء فيه تلكتمر احترز على نفسه وتعبأ فلما قرب تلكتمر من حلب خرج الأمير يلبغا الناصري من حلب ولاقاه على العادة مظهرًا لطاعة السلطان وقبل الأرض وأخذ منه مثاله وعاد به إلى دار السعادة بحلب وقد اجتمع الأمراء والقضاة وعيرهم لسماع مرسوم السلطان وتأخر الأمير سودون المظفري أتابك حلب عن الحضور ولم يعجبه ما فعله الملك الطاهر برقوق من حضوره عند الناصري لمعرفته بقوة الناصري وكثرة مماليكه فأرسل له الناصري غير قاصد يستعجله للحضور فلم يجد بدًا من الحضور وحضر وهو لابس آلة الحرب من تحت قماشه خوفًا على نفسه من الناصري وحواشيه‏.‏

فعندما دخل سودون المظفري إلى دهليز دار السعادة جس قازان اليرقشي أمير آخور الناصري كتفه فوجد السلاح فقال‏:‏ يا أمير الذي يجيء للصلح يدخل دار السعادة وعليه السلاح وآلة الحرب فسبه سودون المظفري فسل قازان سيفه وضربه به وأخذت سودون المظفري السيوف من كل جانب من مماليك الناصري الذين كان رتبهم لهذا الأمر فقتل سودون المظفري بعد أن جردت مماليكه أيضًا سيوفهم وقاتلوا مماليك الناصري ساعة هينة وقتل من الفريقين أربعة أنفس لا غير وثارت الفتنة‏.‏

ففي الحال قبض الناصري على حاجب حجاب حلب وعلى أولاد المهمندار وكانا مقدمي ألوف بحلب وعلى عدة أمراء أخر ممن يخشاهم ويخاف عاقبتهم‏.‏

ثم ركب الناصري إلى القلعة وتسلمها واستدعى التركمان والعربان وكتب إلى تمربغا الأفضلي الأشرفي المعروف بمنطاش يدعوه إلى موافقته فسر منطاش بذلك وقدم عليه بعد أيام ودخل تحت طاعته‏.‏

وكان الناصري قد أباد منطاش وقاتله منذ خرج عن طاعته وطاعة السلطان غير مرة‏.‏

وصار منطاش من جملة أصحابه‏.‏

وتعاضد الأشرفية واليلبغاوية هم الأكثر فإن الناصري من كبار اليلبغاوية ومنطاش من كبار الأشرفية هذا مع ما انضم على الناصري من أكابر الأمراء على ما سيأتي ذكره‏.‏

وعاد تلكتمر الدوادار بهذا الخبر في خامس عشر صفر فكان عليه خبر غير صالح‏.‏

فكتب السلطان في الحال إلى الأمير إينال اليوسفي أتابك دمشق - والمعزول قبل تاريخه عن نيابة حلب - بنيابة حلب ثانيًا وجهز إليه التشريف والتقليد في ثامن عشر صفر المذكور من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة‏.‏

وكان إينال اليوسفي ممن انحرف على السلطان في الباطن من أيام ركوبه عليه قبل أن يتسلطن وقبض السلطان عليه وحبسه سنتين ثم أطلقه على إمرة بدمشق ثم ولاه بعض البلاد الشامية وهي نيابة طرابلس ثم نقله إلى نيابة حلب فدام بها سنين ثم عزله عنها بالأمير يلبغا الناصري وجعله أتابك دمشق فصار في نفسه حزازة من هذا كله على ما سيأتي ذكره‏.‏

ثم إن السلطان في ثامن عشر صفر المذكور طلب الأمراء والقضاة إلى القلعة وكلمهم في أمر الناصري وعصيانه واستشارهم في أمره فوقع الاتفاق على خروج تجريدة لقتاله‏.‏

وحلف ثم في تاسع عشره ضربت خيمة كبيرة بالميدان من تحت القلعة وضرب بجانبها عدة صواوين برسم الأمراء‏.‏

ونزل السلطان إلى الخيمة المذكورة وحلف بها سائر الأمراء وأعيان المماليك السلطانية بل غالبهم‏.‏

ثم مد لهم سماطًا جليلًا فأكلوا وانفضوا‏.‏